بين التصريحات الرسمية والواقع الاقتصادي التونسي: هل تشهد تونس انتعاشًا مستدامًا؟ تحليل خبير
جاري التحميل...

بين التصريحات الرسمية والواقع الاقتصادي التونسي: هل تشهد تونس انتعاشًا مستدامًا؟ تحليل خبير
بين التصريحات والخطابات الرسمية التي تؤكد أن الاقتصاد التونسي شهد في عام 2025 "انتعاشًا اقتصاديًا ملموسًا" ودخل مرحلة "نمو مستدام"، وتُشيد بنجاح "استراتيجية الاعتماد على الذات" التي نفذتها الحكومة بتوجيهات من الرئيس قيس سعيد لإخراج الاقتصاد من المأزق الذي يعيشه منذ سنوات من جهة، والصعوبات المتزايدة التي تواجهها الأسر والفاعلون الاقتصاديون يوميًا من جهة أخرى، أين تكمن الحقيقة؟ يجيب على هذا التساؤل خبير اقتصادي جامعي ودولي لتوضيح هذا الجدل*
الدكتور صادق الزريلي
خلال مشاركته الأخيرة في الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي بواشنطن، صرح محافظ البنك المركزي التونسي، فتحي زهير النوري، أمام ممثلي العديد من البنوك والمؤسسات المالية الدولية، بأن "تونس تمر بمرحلة انتعاش اقتصادي ملموس، يتجلى في النتائج المحققة عام 2025"، وهو ما يعكس، حسب قوله، "مرونة الاقتصاد التونسي" و"قدرة تونس على الحفاظ على نمو مستدام".
الملاحظة الأولى التي يجب الإدلاء بها هي أن السيد النوري، بإدلائه بمثل هذه التصريحات، يقوم بدوره كمحافظ لبنك مركزي، تتمثل مهمته الأولى في طمأنة المستثمرين والممولين واستعادة الثقة في المؤسسات والسياسة الاقتصادية والمالية لبلاده.
الملاحظة الثانية هي أن هذه التصريحات، التي يمكن وصفها على الأقل بأنها "متفائلة" إن لم تكن "مبتهجة"، قد تمر وتُصدق إذا قيلت لوسيلة إعلام محلية موجهة للرأي العام التونسي، الذي تفتقر ثقافته الاقتصادية والمالية للأسف إلى الكثير، ولكنها قد تثير ابتسامة خبراء المؤسسات الدولية الذين يعرفون كيف يقرأون الأرقام ويحللون التوازنات الهيكلية للاقتصاد.
ما هي الحقيقة إذن، وإلى أي مدى تعتبر تصريحات محافظ بنكنا المركزي مبررة وذات مصداقية، أو يمكن اعتبارها كذلك من قبل جمهور من الخبراء الدوليين المتمرسين؟
للإجابة بموضوعية على هذا السؤال، سأتناول حجة تلو الأخرى التي يقدمها محافظ البنك المركزي التونسي لتبرير تصريحاته، وسأحلل معانيها وآثارها الحقيقية.
بالتوازي، وبهدف تسهيل قراءة الأرقام من قبل الجمهور غير المتخصص، سأشير إلى بعض المقارنات الدولية مع دول ذات حجم وهيكل اقتصادي مشابه لتونس.
نمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025
هذه هي الحجة الأولى التي يستند إليها محافظ البنك المركزي التونسي في تصريحاته.
صحيح أن البنك الدولي قد راجع معدل نمو الاقتصاد التونسي، الذي كان مقدرًا بـ 1.9%، ليرفعه إلى 2.6% لعام 2025. ويعود هذا "التحسن" النسبي في النمو الاقتصادي المتوقع لعام 2025 بشكل رئيسي إلى موسم سياحي جيد ومحصول زراعي وفير، بالإضافة إلى ظروف دولية مواتية بشكل استثنائي (انخفاض أسعار النفط وانخفاض الدولار).
صحيح أيضًا أنه مقارنة بنسبة النمو الضئيلة البالغة 1.4% المحققة في عام 2024، فإن مثل هذه النتيجة تمثل "إنجازًا" لا يسع إلا أن يسعد جميع التونسيين، بمن فيهم أنا.
لكن ما ينساه السيد النوري أو يتظاهر بنسيانه، وهو ما يعرفه بالتأكيد جميع الخبراء الدوليين الذين كانوا يستمعون إليه، هو أن صندوق النقد الدولي يتوقع نموًا بنسبة 2.1% في عام 2026، ولا يزيد عن 1.4% من عام 2027 إلى 2030، وهي معدلات نمو منخفضة للغاية وأعلى بقليل من معدل النمو الديموغرافي (1.1%). وهذا يعني، حتى لو كان التضخم صفراً، فلا ينبغي توقع تحسن كبير في مستوى معيشة السكان حتى عام 2030 على الأقل، حيث أن زيادة الإنتاج الوطني بالكاد ستكفي لإطعام السكان الجدد.
من ناحية أخرى، فإن معدل نمو اقتصادي أضعف بكثير من معدل التضخم الذي يولده الاقتصاد (5% على أساس سنوي في سبتمبر 2025، انظر لاحقًا) يعني استمرار تدهور قيمة العملة الوطنية، وبالتالي انخفاض القدرة التنافسية لشركاتنا، وعجز تجاري أكبر، ومزيد من المديونية، إلخ.
