بريجيت باردو: من أيقونة سينمائية إلى مدافعة شرسة عن حقوق الحيوان
جاري التحميل...

بريجيت باردو: من أيقونة سينمائية إلى مدافعة شرسة عن حقوق الحيوان
توفيت أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو، المعروفة بـ "بي بي"، عن عمر يناهز 91 عامًا، وكانت قد روت قصتها للصحفية أنيك كوجيان من صحيفة "لوموند" في يناير 2018. تحدثت حينها عن صدمة سنواتها في عالم السينما، ونفورها من الجنس البشري، والمعنى الذي وجدته للحياة في كفاحها من أجل حماية الحيوانات.
في عام 1973، تخلت بريجيت باردو عن عالم السينما ومكانتها كأيقونة عالمية لتكرس نفسها بالكامل لقضية الحيوان. "كان الجزء الأول من حياتي بمثابة مسودة لوجودي"، هكذا وصفت الممثلة السابقة، التي كانت تبلغ من العمر 83 عامًا آنذاك، في كتابها الأخير "دموع الكفاح" عام 2017، مضيفة أن الجزء الثاني من حياتها جلب "الإجابات على الأسئلة التي كنت أطرحها على نفسي حتى ذلك الحين". بعد اعتزالها في منزلها بسان تروبيه (فار)، تحدثت الممثلة الأكثر أسطورية في السينما الفرنسية لصحيفة "لوموند" في يناير 2018 عن ما أصبح أعظم معركة في حياتها.
ما كنت لأصل إلى هنا لو
لو لم أدرك المعاناة التي تتحملها الحيوانات على الأرض، ولو لم أتوقف فجأة عن التمثيل لأعتني بهم. انتهى العبث وهذا العالم من التظاهر الذي جعلني تعيسة جدًا طوال تلك السنوات. توقف! اعتقد البعض أنه مجرد نزوة، وظن آخرون أنني مجنونة. لم أبالِ. كان قراري لا رجعة فيه. في سن 38، تركت كل شيء من أجل الحيوانات. إنه أجمل قرار اتخذته في حياتي.
لم يكن قرار بريجيت باردو بالابتعاد عن الأضواء مجرد تحول مهني، بل كان انعكاسًا لتحول روحي عميق. فبعد سنوات من التألق على الشاشة الكبيرة، حيث كانت محط أنظار العالم ورمزًا للجمال والحرية، وجدت نفسها محاصرة في قفص الشهرة، تشعر بالوحدة والضياع. كانت الأضواء الساطعة تخفي وراءها فراغًا، والعلاقات السطحية تزيد من شعورها بالنفور من عالم البشر الذي وصفته بالزيف والادعاء. هذا الشعور بالضيق دفعها للبحث عن معنى أعمق لوجودها، معنى لم تجده في بريق هوليوود أو في تصفيق الجماهير.
كانت نقطة التحول عندما بدأت تدرك حجم المعاناة التي تتعرض لها الحيوانات. هذه الكائنات البريئة، التي لا صوت لها، أصبحت تمثل لها مرآة تعكس نقاءً وبراءة افتقدتها في عالمها السابق. وجدت في عيونها الصدق الذي بحثت عنه طويلاً، وفي ضعفها مسؤولية شعرت أنها يجب أن تتحملها. لم يكن الأمر مجرد عاطفة عابرة، بل كان إدراكًا عميقًا لمسؤوليتها الأخلاقية تجاه هذه الكائنات. تأسست مؤسستها "مؤسسة بريجيت باردو لحماية الحيوانات" في عام 1986، لتصبح منبرًا لنضالها، حيث كرست وقتها وجهدها ومالها للدفاع عن الحيوانات ضد القسوة والاستغلال.
منذ ذلك الحين، أصبحت باردو صوتًا قويًا لا يخشى التعبير عن آرائه، حتى لو كانت مثيرة للجدل. شنت حملات شرسة ضد صيد الفقمة، وتجارة الفراء، ومزارع التربية المكثفة، ومصارعة الثيران، وغيرها من الممارسات التي تعتبرها وحشية وغير إنسانية. لم تتردد في مواجهة الحكومات والشركات والأفراد، مستخدمة شهرتها السابقة كمنصة لرفع الوعي بقضايا حقوق الحيوان. كانت رسالتها واضحة: الحيوانات تستحق الاحترام والحماية، وحياتها ليست أقل قيمة من حياة البشر.
في مقابلتها مع "لوموند"، كشفت باردو عن تفاصيل هذه الرحلة، مؤكدة أن قرارها كان بمثابة ولادة جديدة. "لقد وجدت في الحيوانات الحب غير المشروط الذي لم أجده في البشر"، قالت. "إنهم لا يحكمون، ولا يخونون، ولا يطلبون شيئًا سوى القليل من اللطف". هذه الكلمات تلخص فلسفتها وتفسر لماذا اختارت أن تقضي بقية حياتها في خدمة هذه الكائنات. لقد أصبحت حياتها في سان تروبيه، بعيدًا عن صخب الشهرة، ملاذًا لها ولحيواناتها، حيث تجد السلام والهدف الحقيقي.
تظل بريجيت باردو، حتى بعد وفاتها، رمزًا للتحول والشجاعة. لقد أثبتت أن الشهرة يمكن أن تستخدم لأهداف نبيلة، وأن التخلي عن كل شيء من أجل قضية يؤمن بها المرء يمكن أن يجلب سعادة ومعنى لا يضاهيان. إرثها لا يقتصر على أفلامها الخالدة، بل يمتد ليشمل مساهماتها الجبارة في مجال حقوق الحيوان، ملهمة أجيالًا للدفاع عن الكائنات الضعيفة والمهمشة.
