أصداء انتصارات أكتوبر: شهادات جنود الاحتلال تكشف صدمة الهزيمة بعد 52 عامًا

صورة نشرتها القناة 12 الإسرائيلية لجندي من جيش الاحتلال خلال حرب أكتوبر تصوير : آخرون

الحكايات الصغيرة تحمل معانٍ كُبرى، غير أن كل حدث صغير وقع في حرب أكتوبر 1973 هو في حد ذاته قصة كبيرة تستحق أن تعامل معاملة البطولة، بدءًا من أن تُخلّد إلى أن تُروى للصغار قبل النوم. فكل خطوة على أرض المعركة، وكل قرار اتخذه جندي أو ضابط، وكل لحظة صمود في وجه العدو، كانت لبنة أساسية في صرح النصر العظيم الذي حققه الجيش المصري. هذه القصص الفردية، التي قد تبدو هامشية في سياق الحرب الشاملة، هي في الواقع جوهر الروح القتالية والإصرار الذي ميز تلك الفترة التاريخية، وشكلت مجتمعةً ملحمةً وطنيةً لا تُنسى.

عادت أجواء أكتوبر، وفي هذه الأيام يحتفل المصريون بالذكرى الثانية والخمسين لانتصارات 1973، يوم الإثنين الموافق 6 أكتوبر 2025. ومع كل ذكرى لهذه الحرب المجيدة، يخرج أبطالها الذين نالوا شرف المشاركة فيها، عبر شاشات التلفاز ووسائل الإعلام المختلفة، لاستعادة بطولات جنود وضباط الجيش المصري آنذاك. إنها فرصة للأجيال الجديدة لتتعلم من شجاعة الأجداد، وتستلهم من تضحياتهم دروسًا في الوطنية والعزيمة. هذه الاحتفالات ليست مجرد استعراض للماضي، بل هي تجديد للعهد مع قيم النصر والكرامة التي أرستها حرب أكتوبر، وتأكيد على أن روح العبور لا تزال حية في وجدان الأمة.

المصري لايت، يروي عبر سلسلة أرشيفية بعنوان أثر أكتوبر لا يزول، حكايات الانتصار والعبور، تلك القصص المفعمة بالمجد والعزة، وبكل المعاني الباقية في وجدان كل مصري. هذه السلسلة تسلط الضوء على الجوانب الإنسانية والعسكرية للحرب، وتكشف عن تفاصيل لم تُروَ من قبل، أو تُعاد روايتها بمنظور جديد يعمق فهمنا لتلك الملحمة. إنها محاولة للحفاظ على الذاكرة الوطنية حية، وضمان أن تظل بطولات أكتوبر مصدر إلهام دائم، ومثالاً يحتذى به في التضحية من أجل الوطن.

ما زالت أصداء انتصارات الجيش المصري في أكتوبر 1973 تؤرق ذاكرة جنود جيش دولة الاحتلال، وهو ما نقله موقع القناة 12 العبرية في ملف حديث بمناسبة الذكرى 52 لهزيمتهم، عبر شهادات جنود شاركوا في المعارك؛ كشفوا خلالها عن مشاعر الصدمة والرعب مما تركه المصريون فيهم حتى الآن. هذه الشهادات ليست مجرد ذكريات عابرة، بل هي دليل على عمق التأثير النفسي والعسكري للهزيمة التي مُني بها الجيش الإسرائيلي. يتحدث الجنود عن المفاجأة الكاملة للهجوم المصري، وعن شراسة القتال، وعن الشعور بالعجز أمام الإصرار المصري على استعادة الأرض والكرامة، وهو ما قلب موازين القوى في المنطقة.

تصف الشهادات الإسرائيلية كيف تحولت الثقة المفرطة التي كانت سائدة قبل الحرب إلى حالة من الذهول والارتباك مع بدء الهجوم المصري. لم يتوقعوا أبدًا أن يتمكن الجيش المصري من عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف المنيع بهذه السرعة والكفاءة التي أذهلت العالم. يروي بعضهم كيف كانت أصوات التكبير والتهليل للجنود المصريين تملأ الأجواء، وكيف كانت دباباتهم تتقدم بثبات لا يلين، مما زرع الخوف في قلوبهم وأحدث انهيارًا معنويًا في صفوفهم. هذه الروايات تعكس حجم الصدمة التي تعرضوا لها، والتي لا تزال تلاحقهم بعد عقود من انتهاء الحرب، لتؤكد على عمق الجرح الذي خلفته الهزيمة.

إن تأثير حرب أكتوبر لم يقتصر على تغيير الخريطة السياسية والعسكرية للمنطقة فحسب، بل امتد ليشمل الوجدان الجمعي للشعبين. فبينما رسخت الحرب في الذاكرة المصرية كرمز للعزة والكرامة والقدرة على تحقيق المستحيل، تركت في الذاكرة الإسرائيلية جرحًا عميقًا من الهزيمة والمفاجأة، مما أجبرهم على إعادة تقييم قدراتهم العسكرية والاستخباراتية، وتغيير عقيدتهم القتالية. هذه الذكريات المتضاربة تؤكد على الأهمية التاريخية لهذه الحرب، وتأثيرها المستمر على المنطقة بأسرها، وعلى العلاقات بين شعوبها.

تظل قصص أبطال أكتوبر، سواء من رووا بطولاتهم بأنفسهم أو من خلدت ذكراهم الأجيال، منارة للأجيال القادمة. إنها تذكرنا بأن الإرادة والعزيمة يمكن أن تتغلب على أقوى الحصون، وأن الدفاع عن الوطن والكرامة هو أسمى الغايات التي يمكن أن يسعى إليها الإنسان. ومع كل عام يمر، تتجدد هذه الذكريات، وتتعمق معانيها، لتؤكد أن أثر أكتوبر لا يزول، بل يزداد رسوخًا في قلوب وعقول المصريين، كشاهد على قدرة الأمة على استعادة حقوقها وتحقيق النصر.