احصل على ملخص المحرر مجانًا
تختار رولا خلف، رئيسة تحرير صحيفة الفاينانشال تايمز، قصصها المفضلة في هذه النشرة الأسبوعية.
لقد اتخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الاستفزاز استراتيجية جديدة له. فبينما كان الآلاف من أعضاء حزب الله يمارسون أعمالهم اليومية يوم الثلاثاء، انفجرت أجهزة النداء التي كانوا يحملونها. وانتشر الذعر بعد مقتل ما لا يقل عن 12 شخصاً، بينهم طفلان، وإصابة ما يقرب من 3000 آخرين. وحمل حزب الله إسرائيل مسؤولية الهجوم الذي وقع يوم الثلاثاء وتعهد بالرد. وسمع المزيد من الانفجارات في أنحاء لبنان يوم الأربعاء عندما استهدفت مجموعة من أجهزة الاتصال اللاسلكية التابعة لحزب الله. ولم تعلق إسرائيل على هذه الهجمات، لكن وزير دفاعها قال يوم الأربعاء إنها “بداية مرحلة جديدة في الحرب”.
لقد وجهت الهجمات ضربة مهينة للميليشيا المدعومة من إيران، حيث استهدفت قلب شبكة اتصالاتها. كما أكدت على براعة إسرائيل الاستخباراتية وقدرتها على ضرب عدوها في أي مكان، كما يبدو كما تشاء. لكنها وضعت الشرق الأوسط مرة أخرى على حافة الهاوية، مما زاد من خطر اندلاع حرب إقليمية شاملة.
يبدو أن نتنياهو يميل بشكل متزايد إما إلى استفزاز حزب الله ودفعه إلى حرب شاملة أو إلى استفزاز رد فعل قد تستخدمه إسرائيل لتبرير هجوم بري على لبنان. وإذا لم يفعل ذلك، فإنه يخاطر بشكل خطير بالفكرة القائلة بأن إسرائيل قادرة على الاستمرار في التصعيد وتتوقع من القوة شبه العسكرية اللبنانية أن تتحلى بضبط النفس أو تتراجع. وأياً كان الحال، فإن الهجمات كانت أعمالاً متهورة من شأنها أن تؤجج نيران الصراع.
لقد دخلت إسرائيل وحزب الله في حرب استنزاف مميتة منذ أن أطلقت الحركة المدعومة من إيران صواريخ على الدولة اليهودية بعد يوم واحد من الهجوم المروع الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وحتى الآن، اقتصرت الحرب إلى حد كبير على منطقة الحدود الإسرائيلية اللبنانية. وقد قال حزب الله إنه لا يريد صراعاً شاملاً، ومع ذلك يواصل إطلاق النار على إسرائيل، ظاهرياً لدعم حماس.
لقد اضطر نحو 60 ألف إسرائيلي إلى النزوح عن منازلهم في شمال البلاد بسبب القصف المتواصل من جانب حزب الله. وقد لقي أكثر من أربعين إسرائيلياً مصرعهم. وفي لبنان، أسفرت الضربات الإسرائيلية عن مقتل نحو 600 شخص، أغلبهم من مقاتلي حزب الله، ونزوح نحو مائة ألف شخص.
قبل ساعات من الهجوم على جهاز النداء، وسعت إسرائيل أهداف حملتها التي استمرت قرابة عام ضد حماس في غزة لتشمل تأمين الجبهة الشمالية لتمكين النازحين الإسرائيليين من العودة. وقد أدى هذا إلى زيادة المخاوف من احتمال تصعيد الصراع مع حزب الله، وسط تكهنات بأن نتنياهو قد يفكر في شن هجوم بري على لبنان. وهذا سيكون خطأ فادحا.
إن احتمالات عودة النازحين إلى ديارهم في المستقبل القريب ضئيلة للغاية إذا استمر الصراع أو اشتد. فحزب الله، أحد أكثر الجماعات المسلحة غير الحكومية في العالم، يشكل عدواً أشد خطورة من حماس. والواقع أن التدخلات الإسرائيلية السابقة في لبنان تتسم بتاريخ متقلب، ومن المؤكد أن اندلاع حرب شاملة في ظل المناخ الحالي من شأنه أن يجر إيران وغيرها من الجماعات المسلحة التي تدعمها إلى الصراع.
في المراحل الأخيرة من حياته المهنية، أظهر نتنياهو ميلاً إلى المقامرة بمصالح إسرائيل الأمنية ــ بدءاً من السنوات التي قضاها في تقسيم الفلسطينيين وحكمهم، في حين أحبط أي تقدم نحو إقامة دولة فلسطينية، إلى استخفافه المشؤوم بالتهديد الذي تشكله حماس.
إن هناك مخرجاً دبلوماسياً للخروج من الصراع مع حزب الله ــ صفقة اقترحتها الولايات المتحدة من شأنها أن تؤدي إلى انسحاب حزب الله من الحدود، وحل النزاعات الإقليمية، ووقف إسرائيل للتحليق فوق لبنان. ولكن هذا يتوقف على موافقة إسرائيل وحماس على صفقة لتأمين إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة. ومع ذلك فإن نتنياهو يكره قبول هذه الصفقة، ويخشى أن يتسبب ذلك في تنفير حلفائه من اليمين المتطرف الذين يشكلون أهمية حيوية لبقائه السياسي. والواقع أن صمت الولايات المتحدة إزاء الهجوم ــ وفشلها في تكثيف الضغوط على إسرائيل لحملها على الموافقة على وقف إطلاق النار ــ لا يزيده إلا جرأة.
إن التوصل إلى اتفاقات مع أعداء أقوياء يشكل دائما حبة مريرة يصعب بلعها ــ وخاصة بالنسبة للإسرائيليين بعد أهوال السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ولكن حالة الصراع الدائم من شأنها أن تكون مدمرة لإسرائيل والمنطقة. والقلق هنا هو أن هذا يبدو على نحو متزايد وكأنه المسار الذي اختاره نتنياهو.
