رحيل الفنان والمخرج الفلسطيني محمد بكري عن 72 عامًا بعد مسيرة فنية حافلة
جاري التحميل...

رحيل الفنان والمخرج الفلسطيني محمد بكري عن 72 عامًا بعد مسيرة فنية حافلة

ببالغ الحزن والأسى، ودّعت الساحة الفنية العربية والعالمية، اليوم الأربعاء، الفنان والمخرج الفلسطيني الكبير محمد بكري، الذي وافته المنية عن عمر ناهز 72 عامًا. بكري، ابن قرية البعنة الجليلية، ترك خلفه إرثًا فنيًا غنيًا ومسيرة حافلة بالعطاء والإبداع، تميزت بالجرأة والالتزام بقضايا شعبه ووطنه.
بدأت رحلة محمد بكري الفنية في عام 1973، عندما التحق بجامعة تل أبيب لدراسة التمثيل والأدب العربي، مدفوعًا بشغف عميق بالمسرح الذي رآه منصة للتعبير عن الذات والمجتمع. لم يكن الفن بالنسبة له مجرد هواية أو وسيلة للترفيه، بل كان أداة قوية للوعي والمواجهة، ومنبرًا لإيصال صوت المظلومين والمهمشين.
امتدت مسيرة بكري الفنية الطويلة لتشمل مسارح العالم وشاشاته، من هولندا وبلجيكا إلى فرنسا وكندا، حيث قدم أعمالًا مسرحية وسينمائية تركت بصمة واضحة في المشهد الثقافي العالمي. تميزت أعماله بالعمق والصدق، وكانت غالبًا ما تتناول قضايا الهوية، النضال، والعدالة الاجتماعية، مما جعلها تلقى صدى واسعًا وتثير نقاشات جادة.
شكّلت أعماله المسرحية والسينمائية صدمة ثقافية وسياسية في كثير من الأحيان، فقد كان بكري فنانًا لا يخشى تحدي السائد أو مواجهة الحقائق المؤلمة. من أبرز أعماله التي أثارت جدلًا واسعًا وكان لها تأثير كبير، فيلمه الوثائقي جنين.. جنين.
يُعد فيلم جنين.. جنين محطة مفصلية في مسيرة محمد بكري الفنية، فقد وثّق الفيلم أحداث الاجتياح الإسرائيلي لمخيم جنين عام 2002، وقدم شهادات حية ومؤثرة من سكان المخيم. أثار الفيلم فور عرضه عاصفة من الجدل في الأوساط الإسرائيلية، ووصل صداه إلى أروقة الكنيست وساحات المحاكم، حيث اتُهم بكري بالتحريض وتشويه الحقائق. ورغم كل الضغوط والملاحقات القانونية، ظل بكري متمسكًا برؤيته الفنية ومدافعًا عن حقه في التعبير عن الحقيقة كما يراها، ليصبح الفيلم رمزًا لصمود الفن في وجه القمع.
لم تقتصر مسيرة بكري على الإخراج والتمثيل، بل كان أيضًا كاتبًا ومثقفًا ملتزمًا، استخدم كل مواهبه لخدمة قضيته. لقد كان فنانًا شاملًا، يجمع بين الموهبة الفذة والشجاعة الأدبية، مما جعله أيقونة للفن المقاوم. سيبقى محمد بكري في ذاكرة الأجيال كفنان عظيم، كرس حياته للفن من أجل الحرية والعدالة، وترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الفن الفلسطيني والعربي.
