ترامب يواصل تسييس الجيش الأمريكي: خطابات سياسية على متن حاملات الطائرات وفي القواعد العسكرية
جاري التحميل...

ترامب يواصل تسييس الجيش الأمريكي: خطابات سياسية على متن حاملات الطائرات وفي القواعد العسكرية
ما الفرق بين سطح قيادة حاملة طائرات أمريكية قوية وتجمع لحركة "اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" (MAGA)؟ ليس الكثير في ذهن الرئيس دونالد ترامب، الذي أظهر مرارًا وتكرارًا استعداده لدمج الرموز العسكرية مع حملاته السياسية. هذا النهج يثير تساؤلات جدية حول حيادية الجيش الأمريكي ودوره في المشهد السياسي للبلاد، ويشير إلى تآكل متزايد للخطوط الفاصلة التقليدية بين المؤسسة العسكرية والنشاط الحزبي.
استغل القائد العام للجيش، دونالد ترامب، خطابًا ألقاه على متن حاملة الطائرات يو إس إس جورج واشنطن، الراسية في اليابان يوم الثلاثاء، لإحياء ادعاءات كاذبة حول انتخابات عام 2020 وللترويج لخطته المشكوك في دستوريتها لإرسال قوات إلى المدن الأمريكية. إن استخدام سفينة حربية ضخمة، رمزًا للقوة العسكرية الأمريكية والوجود العالمي، كمنصة لإطلاق تصريحات سياسية حزبية، يمثل خروجًا صارخًا عن التقاليد الراسخة التي تهدف إلى إبقاء الجيش بعيدًا عن الصراعات السياسية الداخلية. هذا الحدث لم يكن مجرد خطاب عابر، بل كان جزءًا من نمط أوسع من السلوك الذي يهدف إلى تسييس المؤسسة العسكرية واستغلال هيبتها لأغراض انتخابية.
في السابق، كان مثل هذا النشاط السياسي الذي يستخدم الجيش كخلفية يثير صدمة واسعة واستنكارًا في الداخل الأمريكي، حيث يُنظر إلى الجيش على أنه مؤسسة غير حزبية تخدم جميع الأمريكيين. لكن ترامب انتهك العديد من أعراف الرئاسة والتقاليد العسكرية لدرجة أن الأمر لم يعد مفاجئًا للكثيرين. لقد أصبحت هذه الممارسات جزءًا من أسلوبه السياسي، مما يثير قلقًا عميقًا بين الخبراء والمراقبين حول مستقبل حيادية الجيش وتأثير ذلك على ثقة الجمهور في القوات المسلحة.
مؤخرًا، حظي الرئيس بتصفيق أفراد الخدمة العسكرية لخطاب حزبي عميق ألقاه في فورت براغ بولاية كارولينا الشمالية، وهو ما أزعج العديد من كبار الضباط السابقين. هؤلاء الضباط يرون في هذه الأحداث محاولة لجر الجيش إلى معترك السياسة الحزبية، مما قد يقوض ثقة الجمهور في المؤسسة العسكرية ككيان غير حزبي ومحايد. كما نظم ترامب عرضًا عسكريًا في واشنطن للاحتفال بالذكرى السنوية الـ 250 للجيش والذي تزامن بشكل لافت مع عيد ميلاده. هذا التزامن أثار انتقادات بأنه كان محاولة لإضفاء طابع شخصي على حدث وطني عسكري مهم، وتحويله إلى احتفال يخدم أجندته الخاصة.
وفي الشهر الماضي، تحدث ترامب بشكل مطول في خطاب أمام كبار القادة العسكريين الذين تم استدعاؤهم من جميع أنحاء العالم في فرجينيا. وقد استمع الجنرالات والأدميرالات أيضًا إلى خطاب معادٍ لـ "الصحوة" من وزير الدفاع بيت هيغسيث، مما أضاف بعدًا أيديولوجيًا آخر إلى هذه التجمعات العسكرية. هذه الخطابات، التي تتناول قضايا ثقافية وسياسية حساسة، تزيد من المخاوف بشأن تحول الجيش إلى ساحة للصراعات الأيديولوجية بدلاً من التركيز على مهمته الأساسية في الدفاع عن الأمة.
والأكثر شهرة، في ولايته الأولى، استعان ترامب بالجنرال مارك ميلي، الذي كان آنذاك رئيس هيئة الأركان المشتركة، للمسير معه بعد تفريق المتظاهرين بالقوة من خارج البيت الأبيض. وقد اعترف الجنرال ميلي لاحقًا بأن مشاركته في ذلك الحدث كانت خطأً، مشيرًا إلى أنه لم يكن ينبغي له أن يكون جزءًا من موقف سياسي. هذه الحادثة كانت بمثابة نقطة تحول، حيث سلطت الضوء على الضغوط التي يمكن أن يتعرض لها القادة العسكريون للانخراط في أنشطة سياسية، والتداعيات السلبية لذلك على مبدأ الحياد العسكري.
إن تسييس الجيش الأمريكي يمثل تهديدًا خطيرًا لمبادئ الديمقراطية الأمريكية. فتقليديًا، يُنظر إلى الجيش على أنه مؤسسة غير حزبية تخدم الأمة بأكملها، بغض النظر عن الانتماءات السياسية. عندما يتم استخدام الجيش كخلفية لتجمعات سياسية أو كأداة للترويج لأجندة حزبية، فإن ذلك يقوض هذه الحيادية ويضعف ثقة الجمهور في قدرة الجيش على أداء واجبه دون تحيز. هذا النمط من السلوك لا يضر فقط بسمعة الجيش على الساحة الدولية، بل يهدد أيضًا بتقسيم صفوفه وتآكل الروح المعنوية بين أفراده، مما قد يؤثر على جاهزيته وفعاليته.
يجب على القادة السياسيين احترام الفصل الواضح بين الجيش والسياسة لضمان بقاء القوات المسلحة الأمريكية مؤسسة قوية وموحدة وموثوقة. إن استمرار استخدام الرموز العسكرية لأغراض حزبية يرسل رسالة خاطئة إلى العالم وإلى الجنود أنفسهم، مفادها أن ولائهم قد يكون للسياسي وليس للدستور والأمة. إن الحفاظ على حيادية الجيش هو حجر الزاوية في الديمقراطية الأمريكية، وأي محاولة لتقويضها يجب أن تواجه بمعارضة قوية من جميع الأطراف للحفاظ على سلامة المؤسسات الديمقراطية.
