تحول الدراما المصرية: من تصوير الحارة كمرآة للمجتمع إلى وكر للعنف والانحطاط
جاري التحميل...

تحول الدراما المصرية: من تصوير الحارة كمرآة للمجتمع إلى وكر للعنف والانحطاط
على مدى العقود الأربعة الماضية، شهدت الدراما التلفزيونية المصرية تحولاً عميقاً في طريقة تصويرها للحارة الأحياء المصرية التقليدية. فبعد أن صورها نجيب محفوظ كنموذج مصغر للحياة المصرية، عكست الحارة النسيج الاجتماعي المتنوع للبلاد، وخاصة الطبقة الوسطى، التي طالما اعتُبرت الركيزة الأخلاقية للأمة.
مسلسلات مثل الثلاثية (بين القصرين، قصر الشوق، والسكرية) و"حديث الصباح والمساء" جسدت هذا الجوهر بوضوح. فمن خلال هذه الأعمال، قدم التلفزيون الرجل المصري نبيلاً، كريماً، وفياً لعائلته وجيرانه، ومخلصاً لوطنه نموذجاً ألهم الأجيال ونقل فضائل دائمة.
أعمال لاحقة مثل "أرابيسك" للراحل أسامة أنور عكاشة حملت هذا الإرث إلى الأمام. فبطلها، حسن أرابيسك، جسد الحرفي المصري الأصيل: شجاعاً في الشدائد، متفانياً مع عائلته، ومتعاطفاً في الأزمات. كما تم تصوير عيوبه بصدق، مما أضفى على شخصيته عمقاً إنسانياً نادراً.
مسلسلات مثل "المال والبنون" و"سوق العصر" أثرت هذا التقليد، مخلدةً أداء أحمد عبدالعزيز وكمال أبو رية أداءً لا يزال يتردد صداه اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن مع بزوغ الألفية الجديدة، تغير شيء ما. فبينما احتفظت أعمال مثل "بين السرايات" و"رمضان كريم" و"الأخ الكبير" بدرجة من الأصالة، أصبحت الحارة الحديثة على الشاشة مكاناً متزايداً للبلطجة، والانحطاط الأخلاقي، والجهل كما يتضح في "الأسطورة"، "البرنس"، "العتاولة"، "عش عش"، و"سيد الناس".
وهذا يطرح سؤالاً ملحاً: هل يعكس هذا التصوير القاتم الواقع الاجتماعي المصري، أم أن الدراما التلفزيونية نفسها قد انحرفت عن رسالتها الثقافية؟

إهمال الأحياء الشعبية المصرية
وصف الكاتب والناقد سمير الجمال الأحياء الشعبية المصرية بأنها مهد أعظم مفكريها وفنانيها من نجيب محفوظ ومحمد عبدالوهاب إلى أم كلثوم، وعبدالحليم حافظ، وسيد درويش، والحائز على جائزة نوبل أحمد زويل.
وقال: "لقد صُورت هذه الأحياء ذات يوم بكرامة في أعمال لا تزال حية في الذاكرة الجماعية للأمة. لقد جسدت الدراما القديمة الطيف الاجتماعي الكامل المعلم، الحرفي، الحالم، وحتى المجرم وفعلت ذلك بصدق وتوازن."
واستشهد الجمال بمسلسل "الشهد والدموع" كمثال: "زينب، أم تربي أطفالها في حي متواضع، تعلمهم النزاهة والمثابرة، وينشأون ليتفوقوا على أقاربهم المتميزين." وبالمثل، قدم مسلسل "ليالي الحلمية" "سجلاً فنياً للهوية المصرية المتطورة من البدري أبو العز إلى زينهم السماحي والراقصة سمسم فسيفساء اجتماعية كاملة للحياة المصرية الحديثة."
وتابع: "لقد حافظت هذه الأعمال على هويتنا الوطنية ونقلت القيم الأخلاقية عبر الأجيال. أما اليوم، فتُصور الحارة كوكراً للمجرمين وتجار المخدرات، مع محو الشخصيات المحترمة والمتعلمة والمجتهدة. وهذا ظلم فادح لأحياء مصر الشعبية."
وأضاف: "في رمضان 2025، سيطرت على شاشات التلفزيون شخصيات طاغية حكيم باشا، سيد الناس، الحلانجي لا يمثل أي منهم الحي المصري الحقيقي. المأساة هي أن المشاهدين الشباب يبدأون في تقليد ما يرونه. يجب أن يرتقي الفن بالشارع، لا أن يعكس أسوأ سماته. الشارع يتبع الفن وليس العكس."
ووصف الجمال هذا التدهور بأنه "جريمة ضد الحي المصري"، وحث الكتاب على استلهام أعمال أساتذة مثل يوسف إدريس، ويوسف القعيد، وجمال الغيطاني، الذين "استخدموا الفن للتنوير، لا لإهانة جماهيرهم."
