البرلمان الفرنسي يقر تعريفًا جديدًا للاغتصاب يعتمد على مفهوم الموافقة الصريحة
جاري التحميل...

البرلمان الفرنسي يقر تعريفًا جديدًا للاغتصاب يعتمد على مفهوم الموافقة الصريحة
ستتم إعادة صياغة تعريف الاغتصاب والاعتداء الجنسي في القانون الجنائي الفرنسي. فبعد مسار برلماني طويل وشاق، أقرت الجمعية الوطنية، في تصويت حاسم جرى يوم الخميس 23 أكتوبر، إدخال مفهوم الموافقة الصريحة في القانون. وقد حظي هذا التعديل بموافقة أغلبية 155 نائبًا من أصل 186 صوتًا تم الإدلاء بها. يأتي هذا التطور الهام في القانون الفرنسي بعد عام واحد من محاكمة اغتصاب مازان، حيث كان غياب موافقة جيزيل بيليكو محور النقاشات، ومن المقرر أن يتم التصديق النهائي على هذا التعديل من قبل مجلس الشيوخ يوم الأربعاء 29 أكتوبر.
لطالما كانت مسألة تعريف الاغتصاب في القانون الفرنسي محل جدل، حيث كانت التعريفات السابقة تركز غالبًا على استخدام القوة أو التهديد أو المفاجأة، مما كان يضع عبئًا كبيرًا على الضحايا لإثبات المقاومة الجسدية. أما التعريف الجديد، الذي يصف الاغتصاب بأنه "فعل جنسي غير توافقي"، فيمثل تحولًا جذريًا نحو التركيز على غياب الموافقة كعنصر أساسي للجريمة. هذا التغيير يعكس فهمًا أعمق للاستقلالية الجسدية ويأمل المشرعون أن يسهل على الضحايا الإبلاغ عن الجرائم ويسهم في تحقيق العدالة.
لقد كان لحادثة اغتصاب مازان وتداعياتها القانونية صدى واسع في المجتمع الفرنسي. ففي تلك القضية، التي حظيت بتغطية إعلامية مكثفة، كانت جيزيل بيليكو قد تعرضت للاغتصاب الجماعي، ورغم بشاعة الجريمة، أثار غياب تعريف واضح للموافقة في القانون آنذاك تساؤلات حول كيفية التعامل مع مثل هذه الحالات. لقد أظهرت هذه القضية بوضوح الحاجة الملحة لتحديث الإطار القانوني ليتماشى مع التطورات المجتمعية والفهم الحديث للعنف الجنسي.
وفي تعليق لها داخل قاعة البرلمان، قالت النائبة البيئية عن إقليم الرون، ماري شارلوت غاران: إن الانتصارات النسوية هي انتصارات جميلة وانتصارات جماعية، موجهة الشكر، إلى جانب النائبة (عن حزب النهضة) عن إقليم هوت سافوا، فيرونيك ريوتون، للضحايا اللواتي تجرأن على التحدث في وقت كان فيه الحديث صعبًا. هذه الكلمات تلخص روح التغيير الذي يشهده القانون، مؤكدة على أن هذا الإنجاز لم يكن ليتحقق لولا شجاعة الضحايا ومثابرة الناشطين.
جاءت هذه المبادرة التشريعية في أعقاب مهمة استقصائية برلمانية قادتها النائبتان غاران وريوتون، حيث قامتا في يناير الماضي بتقديم اقتراح قانون يهدف إلى تعديل التعريف الجنائي للاغتصاب والاعتداءات الجنسية. وقد حظي النص بتصويت إيجابي في الربيع من قبل الجمعية الوطنية ثم مجلس الشيوخ، ولكن بنسخ مختلفة قليلاً. هذا الاختلاف استدعى عقد لجنة مختلطة متساوية الأعضاء، اجتمعت يوم الثلاثاء 23 أكتوبر، وتوصلت إلى صياغة مشتركة نهائية. هذه اللجنة، التي تضم ممثلين من كلا المجلسين، لعبت دورًا حاسمًا في التوفيق بين وجهات النظر المختلفة وضمان توافق النص القانوني قبل التصويت النهائي.
إن إقرار هذا القانون يمثل خطوة تاريخية في مكافحة العنف الجنسي في فرنسا، حيث يوفر إطارًا قانونيًا أكثر وضوحًا وحماية أكبر للضحايا. من المتوقع أن يؤدي هذا التعديل إلى تغييرات جوهرية في كيفية تعامل النظام القضائي مع قضايا الاغتصاب، مع التركيز بشكل أكبر على إثبات غياب الموافقة بدلاً من إثبات المقاومة. كما أنه يبعث برسالة قوية للمجتمع بأن الموافقة يجب أن تكون صريحة وحرة، وأن أي فعل جنسي يتم دونها يعتبر جريمة، مما يعزز ثقافة الاحترام المتبادل والاستقلالية الجسدية.
