Logo


وفي خطوة خلطت كل الأوراق، أعلن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في خطاب تلفزيوني قوي في مساء السابع عشر من أغسطس/آب أن بلاده لن تجري المزيد من المحادثات مع إثيوبيا ما لم “تعترف بسيادة الصومال”، الأمر الذي يعرض مستقبل الوساطة التركية للخطر.

أطلقت تركيا مبادرة للمصالحة بين اثنين من أهم شركائها في شرق أفريقيا في مايو/أيار الماضي، عقب زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى أنقرة.

توترت العلاقات بين البلدين في وقت سابق من هذا العام بعد اتفاق شهد موافقة جمهورية أرض الصومال المعلنة من جانب واحد على تأجير جزء من ساحلها على البحر الأحمر لجارتها غير الساحلية إثيوبيا.

وفي إطار التفاهم، اعترفت أديس أبابا باستقلال المنطقة وتخطط لبناء قاعدة بحرية على أراضيها. واعتبرت الصومال الاتفاق انتهاكا لسيادتها.

وفي يوليو/تموز، استضاف وزير الخارجية التركي حقان فيدان نظيريه الصومالي والإثيوبي أحمد معلم فقي وتاي آسكي سيلاسي، وأعقب ذلك بيان مشترك وصف المحادثات بأنها “صريحة وودية”.

وتم تقديم موعد الجولة الثانية من المحادثات غير المباشرة التي كان مقررا عقدها في أوائل سبتمبر/أيلول في أنقرة إلى أغسطس/آب، مما أثار توقعات بحدوث تطورات كبرى لم تتحقق في النهاية على أرض الواقع.

وقال فيدان في مؤتمر صحفي إن هذه الجولة الثانية كانت “أكثر شمولاً”، مشيراً إلى أن هناك “تقارباً كبيراً بين الطرفين حول بعض المبادئ الأساسية”، وأن الجولة الثالثة من المحادثات ستعقد في 17 سبتمبر/أيلول.

تركيا في القرن الأفريقي

ويأتي اختيار تركيا للعب دور الوسيط بسبب علاقاتها القوية مع طرفي الصراع، حيث تعد أنقرة أحد اللاعبين الإقليميين البارزين في منطقة القرن الأفريقي ذات الأهمية الجيوستراتيجية العالية.

لدى تركيا مصالح متعددة الأوجه في إثيوبيا، ويقال إنها ثاني أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في الدولة الأفريقية بعد الصين.

وبحسب السفير التركي في أديس أبابا، يوجد نحو 200 شركة تركية تعمل في إثيوبيا في مختلف القطاعات، لا سيما البناء، والأدوية، وصناعة الأغذية.

وتعد الدولة الواقعة في شرق أفريقيا أيضًا واحدة من أكبر المشترين للطائرات بدون طيار والذخيرة التركية في القارة.

من ناحية أخرى، تشكل الصومال العمود الفقري للنفوذ التركي في المنطقة، حيث تستضيف أكبر قاعدة عسكرية تركية في الخارج. كما نشطت تركيا في الدولة ذات الموقع الاستراتيجي منذ عام 2011، وفي فبراير/شباط وقع الطرفان اتفاقية دفاع اقتصادي تساعد أنقرة بموجبها الصومال في الدفاع عن مياهها الإقليمية مقابل فوائد اقتصادية.

صفقة ميناء إثيوبيا على البحر الأحمر: صراع متصاعد في القرن الأفريقي؟

هل تؤدي صفقة الدفاع بين تركيا والصومال إلى تأجيج التوترات في البحر الأحمر؟

كيف يمكن أن تؤثر اتفاقية إثيوبيا بشأن البحر الأحمر على إسرائيل ومصر والإمارات العربية المتحدة

اهداف تركية

وتأتي الجهود التركية بين الصومال وإثيوبيا في إطار الدور المتنامي الذي تلعبه تركيا كوسيط إقليمي ودولي.

ويشير بعض المحللين إلى أن استعداد أنقرة للتوسط في هذه المنطقة الحساسة جيوسياسيا هو جزء من استراتيجية أوسع لتعزيز نفوذها في أفريقيا من خلال أدوات القوة الناعمة مثل تقديم الدعم الاقتصادي والدبلوماسي والمساعدات الإنسانية.

ويبدو أيضاً أن الاستثمارات التركية الكبيرة في البلدين تشكل عامل تحفيز لأنقرة لمنع تدهور العلاقات بينهما، إذ إن أي حرب وشيكة في المنطقة قد تهدد مصالح أنقرة.

وبحسب تونتش دميرتاش، الأستاذ المساعد للعلاقات الدولية بجامعة مرسين، فإن النزاع الحالي له تأثيرات جيوسياسية أوسع نطاقا تتجاوز مخاوف الصومال وإثيوبيا، حيث قد يؤثر على جيبوتي وحوض البحر الأحمر، وبالتالي مصر واليمن والمملكة العربية السعودية والسودان.

تسعى تركيا إلى الحفاظ على التوازن بين الاضطراب المحتمل لمصالحها الجيوستراتيجية ومخاطر السماح للجهات المسلحة من غير الدول والمنظمات الإرهابية بالتورط في هذه العملية.

وأضاف دميرتاش لـ”العربي الجديد” أن مبادرة تركيا في هذه الوساطة هي محاولة من أنقرة للعب دور في دعم والدفاع عن القانون الدولي داخل النظام العالمي، باعتبار أن مذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وأرض الصومال لا تعتبر سارية المفعول.

وكجزء من الاتفاق، اعترفت أديس أبابا باستقلال أرض الصومال وتخطط لبناء قاعدة بحرية على الأرض. وتعتبر الصومال هذا انتهاكا لسيادتها. (جيتي) اختبار حقيقي

ويمثل النزاع المتصاعد بين مقديشو وأديس أبابا اختبارا حقيقيا لقدرة الدبلوماسية التركية على سد الفجوة بين دولتين اتسمت علاقاتهما تاريخيا بالعداء المتبادل.

وفي هذا السياق، كان لافتاً أن أنقرة لجأت إلى الدبلوماسية على أعلى مستوى، حيث التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، بشكل مباشر، أو عبر محادثات هاتفية، لكسر الجمود بين الطرفين.

لكن هذه الجهود لم تنجح بعد في تحقيق تحسن ملموس، حيث يرى بعض المحللين أن إلغاء مذكرة التفاهم فقط من شأنه أن يشجع الصومال على بدء المفاوضات.

وقال الباحث في المركز الصومالي للدراسات، الشافعي أبتيدون، لوكالة أنباء الصومال، إن مقديشو تطالب أديس أبابا بعدم عسكرة طموحاتها الاقتصادية، وإن تطوير قاعدة عسكرية في البحر الأحمر من شأنه أن يشكل خطرا أمنيا على الدول الإقليمية التي تخشى صعود النفوذ الإثيوبي.

وأضاف أبتيدون أن الصومال “ستفتح موانئها أمام التجارة الإثيوبية كما هو الحال في جيبوتي وكينيا وتنزانيا”.

ومع ذلك، في ضوء التقارير المسربة التي تتحدث عن طلب إثيوبيا وساطة تركية، هناك مؤشرات على أن أديس أبابا لا تريد تصعيد النزاع.

وبحسب إبراهيم صالح، الصحافي المتخصص في منطقة القرن الأفريقي، فإن أديس أبابا تهدف إلى جعل الصومال وتركيا تدركان حاجتها إلى منفذ بحري بسبب مخاوفها الاقتصادية والأمنية.

وتؤمن أديس أبابا بشرعية هذا المطلب، حسب صالح، وهو ما يعكس التطور الاقتصادي المتزايد الذي تشهده.

وحتى الآن، تقول الصومال، بعد الجولة الثانية من المحادثات في أغسطس/آب، إنها تتوقع أن تسفر الجولة المقبلة عن قرار “يعزز وحدتها وسيادتها”، في حين أكدت إثيوبيا تطلعها إلى تحقيق “مصلحتها المشروعة” في تأمين الوصول إلى البحر بالوسائل السلمية.

آفاق الوساطة

ونظرا لهذا الواقع المعقد، فلم يتبين الكثير من المعلومات حول المقترحات التركية.

وأشار وزير الخارجية التركي إلى أن التوترات بين البلدين قد تنتهي بحصول إثيوبيا على الوصول إلى البحر عبر الصومال، طالما اعترفت بسلامة أراضيها وسيادتها.

لكن هناك تساؤلات حول كيفية حل العقدة التي تجسدها المواقف المتناقضة التي تعكسها مذكرة التفاهم بشأن البحر الأحمر.

وقال صالح إنه سيكون من الصعب على الجانب الإثيوبي التراجع عن مذكرة التفاهم، مؤكدا أن ذلك لن يحدث إلا بشرط ضمان البدائل التي تلبي متطلبات أديس أبابا الأمنية والاقتصادية.

ورغم أن الجانب الاقتصادي يمكن أن يتحقق من خلال اتفاق مع الصومال، فإنه سيكون من الصعب على مقديشو أن توافق على القاعدة العسكرية التي تطالب بها إثيوبيا لتأمين مصالحها.

وبالتالي، فإن الجهود التركية لا تزال بعيدة كل البعد عن إقناع الطرفين بتقديم التنازلات. ويقول الباحث الشافعي أبتيدون إن رغبة إثيوبيا في فصل ملف مذكرة التفاهم عن المفاوضات بشأن الوصول إلى البحر ستؤدي إلى فشل الوساطة التركية “الآن وفي المستقبل”.

من جانبه، يشير دميرتاش إلى أنه يجب الاعتراف بأنه لا توجد “عصا سحرية” لحل مشاكل بهذا التعقيد والعمق، لكن هذا لا يعني أن الجهود باءت بالفشل “بعد اجتماعين أو ثلاثة”.

وعلاوة على ذلك فإن قبول الطرفين للدبلوماسية كأداة للتغلب على الأزمة يشكل في حد ذاته نجاحاً يستحق الدعم من أجل منع إمكانية نشوب صراع مسلح في المستقبل.

عبد القادر محمد علي صحفي إريتري وباحث في الشؤون الأفريقية.

تابعوه على تويتر: @AbdolgaderAli



المصدر


مواضيع ذات صلة

Cover Image for كامالا هاريس تمنع احتجاجات غزة وتحذر من تصويت ترامب
أخبار عالمية. إسرائيل. الشرق الأوسط. العالم العربي.
www.newarab.com

كامالا هاريس تمنع احتجاجات غزة وتحذر من تصويت ترامب

المصدر: www.newarab.com
Cover Image for من يخاف من إيلون ماسك؟
أخبار عالمية. أيرلندا. الاتحاد الأوروبي. البرازيل.
www.ft.com

من يخاف من إيلون ماسك؟

المصدر: www.ft.com
Cover Image for رشيدة طليب ترفع لافتة “مجرمة حرب” خلال خطاب نتنياهو
أخبار عالمية. إسرائيل. الشرق الأوسط. الولايات المتحدة.
www.newarab.com

رشيدة طليب ترفع لافتة “مجرمة حرب” خلال خطاب نتنياهو

المصدر: www.newarab.com
Cover Image for مكالمات الأمير هاري للملك تشارلز “لم يتم الرد عليها” – مباشر
أخبار عالمية. الشرق الأوسط. العالم العربي. المملكة المتحدة.
www.independent.co.uk

مكالمات الأمير هاري للملك تشارلز “لم يتم الرد عليها” – مباشر

المصدر: www.independent.co.uk