بعد ثماني سنوات في السلطة، تم تعديل الحكومة التي يقودها الحوثيون في صنعاء، والتي لا تعترف بها الأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، مما يشير إلى مرحلة جديدة في الأولويات.
عيّن رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين مهدي المشاط، أحمد الرهوي، رئيساً جديداً للوزراء، وكلفه بتشكيل حكومة جديدة.
وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تعديل حكومي في صنعاء منذ عام 2016، عندما اتفق الحوثيون والرئيس السابق علي عبد الله صالح على تشكيل حكومة شراكة تضم 31 وزيراً.
وتضم الحكومة التي تشكلت الأسبوع الماضي 19 وزيراً، فيما وصفتها قيادة الحوثيين بحكومة التغيير والتنمية.
وتأتي هذه التعديلات في إطار استراتيجية حوكمة وعسكرية جديدة للحوثيين، تهدف إلى مواجهة تحديات مختلفة، بما في ذلك حرب الجماعة مع القوات الدولية واندلاع الأعمال العدائية المحتملة مع مجموعات المعارضة المحلية.
أولويات جديدة
وفي اجتماعها الأول في 15 أغسطس/آب، قالت الحكومة الجديدة في صنعاء إن أولوياتها القصوى ستكون “تحسين الخدمات العامة” و”مواجهة العدوان على اليمن على المستويات الاقتصادية والعسكرية والسياسية”.
وجاء الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة في صنعاء في وقت تخوض فيه جماعة الحوثيين مواجهات متبادلة مع قوات غربية في البحر الأحمر، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا. وبالتالي، يمكن النظر إلى التعديل الوزاري باعتباره جزءاً من استعدادات الجماعة لحرب طويلة الأمد مع قوى محلية وخارجية في ظل معركة مستمرة في البحر الأحمر.
ومنذ يناير/كانون الثاني من العام الجاري، قصفت القوات الأميركية والبريطانية عدة مواقع في المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون، ما أسفر عن مقتل 73 شخصا وإصابة 171 آخرين، بحسب زعيم حركة الحوثيين عبد الملك الحوثي.
وتأتي العمليات الجوية الأميركية البريطانية في إطار الرد الغربي على هجمات الحوثيين على ممرات الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، والتي تقول الجماعة إنها تهدف إلى الضغط على إسرائيل لإنهاء حربها على غزة.
وفي خطابه يوم 15 أغسطس/آب، قال رئيس الوزراء الجديد أحمد الرحوي إن إعادة هيكلة الحكومة هي الخطوة الأولى نحو الإصلاح. وأضاف: “إن التغيير الناجح يتطلب التعاون بين الشعب والحكومة، خاصة في ظل الظروف المعقدة والحرب الشاملة التي تستهدف البلاد”.
كيف تساهم العملة الجديدة التي أصدرها الحوثيون في تعميق الانقسامات في اليمن
هل تشكل الهجمات الحوثية الجديدة خطرا على عملية السلام في اليمن؟
معركة السيطرة على موانئ اليمن
احتمال تجدد الحرب
تستعد جميع أطراف الصراع في اليمن، جماعة الحوثي في الشمال والحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في الجنوب، للحرب، ومن المرجح أن تكون الحكومة الجديدة في صنعاء جزءًا من الاستعدادات لجولة جديدة محتملة من الصراع.
واليوم، تتطلع السلطات الفعلية في صنعاء إلى تحقيق طموحات نبيلة، بما في ذلك خروج كل القوات الأجنبية من اليمن، والاستيلاء على موارد النفط والغاز، والحصول على اعتراف المنطقة والعالم. ومن ثم، فإن دوافع الحرب تظل قوية.
حذر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانز جروندبرج من تجدد القتال في اليمن. وقال أمام مجلس الأمن الأسبوع الماضي: “نستمر في مشاهدة الاستعدادات والتعزيزات العسكرية مصحوبة بتهديدات مستمرة بالعودة إلى الحرب”.
“ويعد هذا بمثابة تذكير صارخ بمدى هشاشة الوضع على طول خطوط المواجهة اليمنية”.
وقال مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة السفير عبدالله السعدي، الأسبوع الماضي، إن جماعة الحوثي تصر على إطالة أمد الصراع، الأمر الذي لن يؤدي إلا إلى تفاقم المعاناة الإنسانية وإحباط جهود السلام الإقليمية والدولية.
ودعا مجلس الأمن والمجتمع الدولي إلى “تحمل مسؤولياتهم في الضغط على الحوثيين” حتى لا يجروا اليمن وشعبه من حرب إلى أخرى.
استولى الحوثيون على صنعاء في عام 2014. (جيتي) ردود فعل متضاربة
عندما سيطرت جماعة الحوثي على صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، لم يكن أحد يتوقع أن تحكم الجماعة اليمن لسنوات قادمة. ولكن اليوم، أصبح لدى شمال اليمن حكومة جديدة، تم اختيار أعضائها بناء على موافقة قيادة الحوثيين.
ومع تشكيل الحكومة الجديدة، أبدى المدنيون في اليمن ردود فعل متضاربة.
ويقول بشير (35 عاما)، وهو موظف في مصلحة الجمارك بصنعاء، إن الحكومة الجديدة ستقدم أفكارا وبرامج مختلفة تساعد في تحسين الظروف المعيشية للناس وتخفيف البيروقراطية في الدوائر الحكومية.
وقال في تصريح لوكالة الأنباء اليمنية (تسنيم) إن “قيادة الحوثيين جادة في التغيير والإصلاح وتريد أن تثبت للرأي العام أنها قادرة على حل العديد من القضايا لتخفيف معاناة المدنيين وأنا متفائل بمثل هذا التعديل”.
لكن آخرين أقل تفاؤلا. يقول عبد الله علي، وهو مدرس في مدرسة حكومية في صنعاء، إن بؤس السكان في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون سيستمر سواء أعيد هيكلة الحكومة أم لا.
وبحسب الأمم المتحدة، يحتاج نحو نصف سكان البلاد – أو 18.2 مليون شخص – إلى مساعدات إنسانية هذا العام.
وقال علي لـ«العربي الجديد» إن «الحكومة في صنعاء تخصص الجزء الأكبر من مواردها للعمليات العسكرية، ولا تولي اهتماما يذكر للقطاعات الأخرى، مثل الصحة والتعليم. ملايين الناس يعانون من الجوع والمرض والأمية. الناس هنا يعانون من بؤس متعدد الأوجه».
“نحن (المدنيون اليمنيون) نحتاج من الحكومة الجديدة في صنعاء معالجة قضية عدم دفع رواتب الموظفين العموميين وتحسين خدمات الصحة والتعليم والكهرباء”.
وبحسب المعلم فإن الحكومة في صنعاء لا تعطي هذه القضايا الأولوية، حيث أن اهتمامها الأساسي هو تحقيق مكاسب على خطوط المواجهة وتكثيف عملياتها العسكرية.
وأضاف “لا نريد لهذه الحكومة أن تستمر في محاضرتنا حول أهمية قتال القوات الأميركية في البحر الأحمر”.
“نحن نعلم عن العدوان الأمريكي في اليمن، وما نحتاجه هو برامج عملية تساعدنا على تخفيف معاناتنا الإنسانية والاقتصادية”.
الكاتب صحفي يمني يقدم تقاريره من اليمن ونقوم بحماية هويته حفاظاً على سلامته.