لقد مر عام منذ بدء الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، ومن الصعب أن نصدق أننا ما زلنا هنا.
فعلى مدى عام كامل شهد العالم القصف الإسرائيلي المستمر للمدارس والمستشفيات، والنكبة الثانية، وتدمير سبل العيش، وكل هذا باسم محاربة حماس.
وبينما يحدث كل هذا، تعرض الفلسطينيون أيضًا للتجريد من إنسانيتهم، بما في ذلك السيطرة عليهم من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي عند نقاط التفتيش.
وقد تجلت هذه الوحشية بشكل واضح ضد النساء، حيث قُتل ما يقرب من نصف الفلسطينيين البالغ عددهم 41.000، من النساء والأطفال.
من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، شهد العالم منشورات ينشر فيها جنود جيش الدفاع الإسرائيلي صورًا لأنفسهم بالملابس الداخلية النسائية ويسخرون من النساء الحوامل أثناء عمليات الفحص بالموجات فوق الصوتية.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت مقاطع الفيديو جنودًا إسرائيليين يعتدون على أسرى فلسطينيين، مع شهادات عديدة من فلسطينيين حول تعرضهم للعنف الجنسي على يد هؤلاء الجنود.
وبينما تعاني النساء من هذا التجريد من الإنسانية، فقد قُتلن أيضًا بمعدلات مثيرة للقلق. وكما هو متوقع، فإن هذا القتل الجماعي للنساء، بما في ذلك أطفالهن، فتح أعين العالم على وحشية جيش الدفاع الإسرائيلي.
في فبراير/شباط 2024، أثار خبراء الأمم المتحدة مخاوف بشأن انتهاكات حقوق الإنسان ضد النساء والفتيات الفلسطينيات في غزة والضفة الغربية المحتلة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
في وقت إعداد هذا التقرير، أفادت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن النساء والفتيات الفلسطينيات “تعرضن للإعدام التعسفي في غزة، في كثير من الأحيان مع أفراد من عائلاتهن، بما في ذلك أطفالهن”.
ومن الطبيعي أن يثير هذا البيان تساؤلات حول السبب الذي يجعل إسرائيل تركز على استهداف النساء والأطفال الفلسطينيين عمداً، حتى في المناطق التي يبحثون فيها عن الأمان.
وفي الوقت نفسه، لا ينبغي أن يكون العنف ضد النساء وأطفالهن مفاجئاً؛ على مدى قرون، سعى جيش الدفاع الإسرائيلي إلى تقويض أقوى سلاح لدى فلسطين: الرحم الفلسطيني.
وبعد مرور عام، يقدم العربي الجديد تفصيلاً لكيفية استهداف هذا السلاح للتدمير، وتسليط الضوء على السياق التاريخي وراء الاعتداء المتعمد على القوة الإنجابية للمرأة الفلسطينية.
الأرقام التي نعرفها حتى الآن
في 30 سبتمبر/أيلول 2024، أعلنت منظمة أوكسفام الدولية أن “عدد النساء والأطفال الذين قُتلوا في غزة على يد الجيش الإسرائيلي أكبر من أي صراع آخر حدث مؤخرًا في عام واحد”.
هذه الأرقام لا يمكن فهمها، وكذلك الإحصائيات الأخرى التي رأيناها منذ 7 أكتوبر، بما في ذلك:
“فلسطين امرأة والمرأة فلسطين”
بعد نكبة 1948، استكشف المفكرون الفلسطينيون العلاقة بين تحرير المرأة والتحرر الوطني. أصبحت استعارة “فلسطين كامرأة والمرأة كفلسطين” مهمة في النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي، مما يوضح كيف أن أدوار المرأة كأمهات جزء لا يتجزأ من المقاومة.
غالباً ما تتشكل حياة المرأة الفلسطينية من خلال الأدوار التقليدية، حيث يُنظر إليها بشكل أساسي على أنها ربة منزل وأم.
ومع ذلك، بعد النكبة، ومع مواجهة الفلسطينيين لسيطرة عسكرية متزايدة من قبل القوات الإسرائيلية، تولت العديد من النساء أدوارًا جديدة كمقاتلات ومحترفات وقائدات مجتمعيات.
وحتى مع هذه التغييرات، ظل إنجاب الأطفال جزءًا أساسيًا من هويتهم ونضالهم الوطني.
هذا الارتباط بين الأمومة والمقاومة معترف به في الحركة الوطنية الفلسطينية، التي تعترف بالدور الحاسم الذي تلعبه المرأة باعتبارها أم الأمة. بالنسبة للمقاومة، يعتبر الرحم رمزًا قويًا يمكنه الحفاظ على استمرارية المجتمع.
وعلى حد تعبير الزعيم الراحل ياسر عرفات، فإن “رحم المرأة الفلسطينية” هو “أقوى سلاح ضد الصهيونية”.
التكاثر الفلسطيني باعتباره “تهديداً ديموغرافياً”
وبالتأمل في كلمات عرفات، فليس من المستغرب أن تعتبر إسرائيل قدرة المرأة الفلسطينية على إنجاب الأطفال بمثابة “تهديد ديموغرافي”.
ومن أجل الحفاظ على التفوق الديموغرافي، أخضع جيش الدفاع الإسرائيلي النساء الفلسطينيات للعنف الذي يهدف إلى تقويض تكاثرهن الثقافي والبيولوجي.
وتشمل الأساليب الحرمان من الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية، وتدمير المرافق الطبية، وارتكاب أعمال العنف ضد المرأة، مثل الإذلال والإيذاء الجسدي والاغتصاب.
لسنوات، وخاصة منذ بداية الإبادة الجماعية في غزة، كان لتصرفات جيش الدفاع الإسرائيلي عواقب مدمرة على صحة المرأة وتجارب الولادة.
وقد واجهت العديد من النساء في غزة عمليات ولادة مؤلمة دون تخدير، كما أن انقطاع التيار الكهربائي المستمر في المستشفيات يعني أن الأطباء غالبًا ما يعتمدون على مصابيح الهاتف لإجراء العمليات الجراحية. علاوة على ذلك، أدى القصف المستمر إلى تفاقم مخاطر الإجهاض والولادة المبكرة، والتي تفاقمت بسبب التوتر الشديد والخوف الذي تواجهه النساء الحوامل.
ومن المأساوي أن العديد من الأطفال حديثي الولادة يموتون بعد وقت قصير من ولادتهم بسبب نقص الكهرباء والوقود اللازم للحاضنات. كما أدى الحصار المفروض على غزة إلى الحد بشدة من إمكانية الحصول على المياه النظيفة، مما أجبر بعض النساء على الخضوع لعمليات استئصال الرحم غير الضرورية لإدارة نزيف ما بعد الولادة. علاوة على ذلك، أدى انتشار الجوع إلى زيادة صعوبة إنتاج الأمهات للحليب أثناء الرضاعة الطبيعية.
ولتعزيز الأهداف الديمغرافية لإسرائيل، استهدف جيش الدفاع الإسرائيلي مراكز التلقيح الصناعي، ودمر 5000 من الأجنة المذكورة آنفا. على سبيل المثال، كان مركز البسمة، وهو أكبر مركز للتلقيح الاصطناعي في غزة، موقعاً لهذا الدمار، مما أدى إلى تحطم أحلام لا تعد ولا تحصى في الأبوة بالنسبة للعديد من النساء اللاتي كن يأملن في إنجاب الأطفال منذ ما يقرب من ثلاثة عقود.
ولا يملك المستعمرون الجثث الفلسطينية ولا يسيطرون عليها
ومن المثير للقلق أن التدمير المستمر يعرض أجيال المستقبل من الفتيات وقدرتهن على إنجاب الأطفال لخطر جسيم. وفي الوقت الحالي، يواجه ما يقرب من مليون امرأة وفتاة نازحة في غزة تحديات شديدة في الوصول إلى منتجات النظافة الأساسية، مما يؤدي إلى تفاقم ظروفهن المعيشية الصعبة بالفعل.
واضطرت العديد من النساء إلى استخدام مواد بدائية، مثل شرائط خيمهن أو ملابسهن، كفوط صحية. بالإضافة إلى ذلك، تتناول بعض النساء أقراص نوريثيستيرون، والتي توصف عادةً لعلاج اضطرابات الدورة الشهرية، لوقف الدورة الشهرية. كما أدى الضغط الشديد ونقص الغذاء خلال الأشهر الماضية إلى تعطيل هذه الدورات لدى العديد من النساء.
ومع هذه المحاولة لتعطيل القوة الإنجابية للأجيال القادمة، فمن الصعب ألا نشعر بالحزن إزاء ما يحدث لهؤلاء النساء والفتيات الصغيرات.
ووسط مشاعر الحزن، يجب ألا نفقد الأمل في هؤلاء النساء.
وبينما ننتظر انتهاء الإبادة الجماعية، يتعين علينا أن ندرك أن النساء الفلسطينيات، على الرغم من حياتهن المحطمة، لسن عاجزات. إن كفاحهم يظهر قوتهم، ويثبت أنه لا يمكن هزيمتهم وأن المستعمرين لا يملكون أجسادهم أو يسيطرون عليها.
تتجلى قوة المرأة الفلسطينية بشكل جميل في كلمات الشاعرة الراحلة فدوى طوقان، التي قالت ذات يوم:
“يا أختي، أرضنا لها قلب ينبض،
لا يتوقف عن النبض، ويستمر
الذي لا يطاق. إنه يحفظ الأسرار
من التلال والأرحام. هذه الأرض، تنبت
ذات السنابل والنخيل، وهي أيضًا الأرض
التي تلد مناضلاً من أجل الحرية.
هذه الأرض يا أختي امرأة.”
رسم الغلاف بواسطة Dania K. تابع عملها على Instagram: @cestdania
زينب مهدي هي محررة مشاركة في مجلة The New Arab وباحثة متخصصة في الحكم والتنمية والصراع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
تابعوها على X: @zaiamehdi