الغول صحافي فلسطيني ومراسل قناة الجزيرة في قطاع غزة. ولد عام 1997 في مخيم الشاطئ للاجئين شمال مدينة غزة حيث نشأ، وكان أباً لطفلة اسمها زينة. (غيتي)
بعيون مليئة بالحزن ظهر الصحافي الفلسطيني إسماعيل الغول على قناة الجزيرة لمدة ثمانية أشهر أثناء حرب إسرائيل على قطاع غزة، ليغطي المجازر المروعة والمتواصلة التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في المناطق الشمالية من القطاع الساحلي المحاصر.
مخاطراً بحياته، تنقل الغول من مكان إلى آخر تحت ضغط القصف الإسرائيلي المتواصل، متحدياً الطائرات الحربية والمسيرة لتوثيق ما يحدث في المناطق الشمالية في الوقت الذي اضطرت فيه غالبية الفلسطينيين إلى النزوح إلى الجنوب.
لكن يبدو أن إسماعيل أصبح، بحسب زملائه، يشكل خطراً على الإسرائيليين بسبب سرعته في الوصول إلى المواقع وتوثيق المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق المدنيين ونقلها للعالم عبر قناة الجزيرة العربية.
“لذلك قررت إسرائيل قتل صوت الحق وقتل الحقيقة ومنع إسماعيل من كشفها أكثر لأنه أصبح مصدر تهديد لهم، خاصة أنه استطاع أن يرفع الغطاء عن وحشية جيشها النازي”، هذا ما قاله الصحافي سامد وجيه المقيم في غزة لـ”العربي الجديد”.
وأدت غارة جوية إسرائيلية، الأربعاء، إلى مقتل الغول ومصوره رامي الريفي مباشرة بعد بث تقرير عن رد الفعل الفلسطيني على اغتيال إسرائيل للزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، الذي قُتل في الساعات الأولى من صباح الأربعاء في العاصمة الإيرانية طهران.
وكان الصحافيون القتلى يرتدون سترات صحفية وكانوا داخل سيارة عندما استهدفتهم غارة لطائرة إسرائيلية بدون طيار بالقرب من منطقة العيدية غرب مدينة غزة، بحسب الجزيرة.
وقال جهاد الغول شقيق اسماعيل لـ«ت.ن.أ»: «بعد أن أنهى الغول والريفي تقريرهما، اتصل جيش الاحتلال بإسماعيل وأمره بإخلاء المنطقة فوراً (..) وعندما تقدما مسافة ثلاثة كيلومترات هاجم جيش الاحتلال سيارة اسماعيل وقتله مع مصوره».
من هو إسماعيل الغول؟
الغول صحافي فلسطيني ومراسل قناة الجزيرة في قطاع غزة، ولد عام 1997 في مخيم الشاطئ للاجئين شمال مدينة غزة حيث نشأ، وكان أباً لطفلة اسمها زينة.
تخرج من كلية الصحافة في الجامعة الإسلامية بغزة، وعمل بعد تخرجه مراسلاً لوسائل الإعلام الفلسطينية.
ومع بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، انضم الغول إلى قناة الجزيرة كمراسل من قطاع غزة.
وظهر في العديد من التغطيات المباشرة من مناطق التوتر والقصف والحرب الدائرة في غزة، ناقلاً معاناة النازحين وأوضاع المستشفيات ومشاهد الدمار.
وبسبب الحرب الإسرائيلية الشرسة، اضطر إسماعيل إلى الانفصال عن زوجته وابنته التي لم تكن قد تجاوزت ستة أشهر حينها، بعد شهرين من بدء الحرب، فأرسلهما إلى المناطق الجنوبية، بينما بقي هو في مدينة غزة وشمال قطاع غزة.
وفي لقاءات منفصلة مع وكالة الأنباء الرسمية، قال زملاء الغول إنه واجه الكثير من الصعوبات والمخاطر أثناء تغطيته للأحداث في مدينة غزة وشمال قطاع غزة، مشيرين إلى أنه نجا من القصف الإسرائيلي أكثر من مرة.
ولكن أحد أصعب الأمور التي واجهها الغول، كما يقول أنس الشريف، وهو صحافي من غزة، هو إصابة والد إسماعيل بالسرطان واضطراره للسفر إلى قطر لتلقي العلاج أثناء الحرب.
وبعد أسابيع قليلة توفي والد إسماعيل في المستشفى دون أن يتمكن إسماعيل من توديعه أو حضور جنازته، بحسب الشريف.
وأضاف الشريف في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية “ما زاد الطين بلة هو مقتل شقيقه خلال قصف إسرائيلي استهدف منزله، عاش إسماعيل أياماً صعبة، لكنه في كل مرة كان يصر على مواصلة مسيرته في فضح جرائم الاحتلال أمام العالم”.
وفي شهر مارس/آذار الماضي، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الغول مع عشرات الصحفيين المتواجدين في المستشفى، حيث تعرضوا لشتى أنواع التعذيب والإذلال والإهانة، بما في ذلك تكبيلهم وإجبارهم على خلع ملابسهم.
وأضاف الشريف “من الطبيعي في مثل هذه الأحداث أن يخاف المراسل ويقرر التوجه نحو الجنوب، وكانت الفرصة متاحة أمام إسماعيل، لكنه رفض وأصر على البقاء معنا هنا رغم شوقه لابنته التي لم يرها منذ أشهر”.
ولم يكن الغول وحده يعمل في الميدان، فقد كان شقيقه الأكبر جهاد يرافقه في تغطياته الصحفية طيلة أشهر الحرب.
وقال جهاد لـTNA: “في الغالب عندما كان ينتج قصصًا إنسانية، كان إسماعيل يجلس ويبكي وهو يتذكر عائلتنا وطفلته التي لم يرها منذ ثمانية أشهر”.
وأضاف جهاد أن “إسماعيل أخبرني أنه لا يخاف من الموت، لكنه يخاف من ترك ابنته وحدها في هذا العالم المرعب”.
كيف تم قتل هؤلاء الصحفيين؟
تمكن المصور الفلسطيني أسامة العشي من مدينة غزة من توثيق اللحظات الأولى لعملية قتل إسرائيل للغول.
“سمعت صوت قصف بالقرب من المنزل الذي أسكنه، هرعت إلى الشرفة فوجدت سيارة هونداي تحترق وتسير إلى الخلف (..) ركضت إلى الشارع لأرى ما يحدث بينما أبقيت كاميرا هاتفي مفتوحة لتوثيق الحدث”، يتذكر العشي.
وقال لوكالة الأنباء التونسية “في البداية رأيت جثة طفل يبلغ من العمر 12 عاما ملقاة في الشارع بعد إصابته بشظايا الصاروخ (…) ثم نظرت إلى السيارة فرأيت أنها سيارة صديقي إسماعيل”.
وأضاف العشي “بدون وعي بدأت بالصراخ على إسماعيل لأرى هل ما زال على قيد الحياة، لكن للأسف مات (…) بقيت أوثق المشهد وأبحث عن إسماعيل وزميلنا رامي لكننا وجدناهما ميتين”.
وكان رأس اسماعيل قد انفصل عن جسده بشكل كامل نتيجة القصف الإسرائيلي.
ويقول العشي بمرارة: “يبدو أن جيش الاحتلال الإسرائيلي كره ملامح وجه إسماعيل التي تعبر عن واقع غزة، فقرر التخلص منها بشكل كامل حتى لا تنظر عينا إسماعيل إلى الكاميرا وتشرح ما يحدث حوله”.
ارتفع عدد العاملين في مجال الإعلام الذين قتلتهم إسرائيل منذ بدء حربها على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى 165 على الأقل مع مقتل اثنين منهم.
ومنذ ذلك الحين، قُتل أكثر من 39,400 فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وأصيب أكثر من 91,128 آخرين، وفقًا للسلطات الصحية المحلية.
بعد 300 يوم من الهجوم الإسرائيلي، أصبحت مساحات واسعة من غزة في حالة خراب وسط حصار خانق يمنع وصول الغذاء والماء والدواء.
وتتهم محكمة العدل الدولية إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، حيث أمرت المحكمة إسرائيل في حكمها الأخير بوقف عمليتها العسكرية على الفور في مدينة رفح الجنوبية، حيث لجأ أكثر من مليون فلسطيني من الحرب قبل غزوها في السادس من مايو/أيار.