Logo


إن الاستجابة المناسبة الوحيدة لهذا الانتهاك والتمييز بين الجنسين هي الاستمرار في المطالبة بأن تستجيب طالبان لمخاوف المجتمع الدولي، كما كتب رئيس الوزراء البريطاني السابق جوردون براون (حقوق الصورة: Getty Images)

منذ عودة طالبان إلى السلطة منذ ثلاث سنوات، لم يعد بوسع الفتيات في أفغانستان الالتحاق بالمدارس الثانوية. وهن في احتياج ماس إلى التعليم الأساسي، ولكن حقوقهن تعرضت للتقليص بشكل منهجي في ظل نظام طالبان القائم على “الفصل بين الجنسين”.

ورغم أن اجتماعاً عقدته الأمم المتحدة مؤخراً في قطر نجح في إقناع طالبان بالجلوس على طاولة المفاوضات، فإن حقوق الفتيات لم تكن على جدول الأعمال. ويصر طالبان على أنهم لن يقبلوا المشورة الدولية بشأن هذه القضية. وفي انتهاك صارخ للقانون الدولي (وفي ازدراء لإنسانيتنا المشتركة)، تجاهلت طالبان ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية حقوق الطفل.

إن الاستجابة المناسبة الوحيدة لهذه الانتهاكات تتلخص في الاستمرار في مطالبة طالبان بالاهتمام بمخاوف المجتمع الدولي. وحتى لو لم يستمع النظام إلى الأمم المتحدة، التي أدانت انتهاكاته، فقد يستجيب للضغوط من زملائه المسلمين، الذين يحذر العديد منهم من أن رفض تنمية إمكانات نصف السكان يعرض مستقبل أفغانستان للخطر.

تحلم الفتيات الأفغانيات بأن يصبحن طبيبات وممرضات ومعلمات ومهندسات ورائدات أعمال وغير ذلك الكثير. ويرغبن في الاضطلاع بدورهن في إعادة بناء أفغانستان القوية والمستقرة مالياً والمستقلة. ولا يوجد سبب وجيه لحرمانهن من هذه الفرصة. وعلاوة على ذلك، فإن سياسة التعليم التي تنتهجها طالبان لا تضر بالنساء والفتيات فحسب. فوفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش، كان هناك انخفاض كبير في جودة التعليم للبنين في ثماني مقاطعات من أصل 34 مقاطعة في أفغانستان.

ومن بين النتائج المأساوية لاستبعاد الفتيات من التعليم ارتفاع معدلات الزواج القسري. ويشير تقرير حديث صادر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى زيادة بنسبة 25% في معدل زواج الأطفال، مستشهداً بحظر التعليم كعامل رئيسي.

وفي حالات أخرى، تشكل الانتهاكات المنهجية لحقوق الفتيات مسألة حياة أو موت. فقد ارتفعت معدلات المعاناة النفسية والاكتئاب ومحاولات الانتحار، ويبدو أن خطر وفيات الأمهات ــ وفاة الفتيات الصغيرات أثناء الولادة ــ قد ارتفع بنسبة 50% على الأقل. ومع وجود أدلة من مختلف أنحاء العالم تشير إلى أن تعليم الفتيات الصغيرات يمكن أن يقلل من وفيات الأطفال (دون سن الخامسة) بنحو النصف، يتعين علينا الآن أن نستعد لارتفاع معدلات وفيات الرضع.

ولا يقتصر هذا الانتهاك على الأطفال. فقد أصدرت حركة طالبان أيضاً حظراً على عمل المعلمات والنساء في الخدمة المدنية والجامعات، وفرضت ضغوطاً على المجتمع المدني الأفغاني. وفي أعقاب “تعليق” حق المرأة في العمل مع المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية، أصبح من المستحيل على العديد من هذه المنظمات الاستمرار في العمل وتوفير الخدمات الأساسية في البلاد.

إن مستقبل أفغانستان يعتمد على إلغاء هذه القيود. ففي مقابل كل سنة إضافية من التعليم توفرها أي دولة لأطفالها، يمكنها أن تتوقع عائداً يصل إلى 18% في الناتج المحلي الإجمالي للفرد. وفي مقابل كل دولار ينفق على تعليم الفتيات، تستطيع أفغانستان أن تولد 2.80 دولاراً من الدخل في المستقبل. ولكن إذا لم تتمكن النساء من الانضمام إلى قوة العمل، فلن تتعافى أفغانستان أبداً من عقود من الحروب والفقر المدقع. وسوف يظل نحو نصف السكان في حاجة إلى المساعدات الإنسانية.

بدعم من حملة #AfghanGirlsVoices الرائدة التي أطلقتها منظمة Education Cannot Wait، تتقدم الفتيات الأفغانيات الشجاعات للمطالبة بإنهاء الفصل العنصري بين الجنسين الذي تفرضه حركة طالبان. ويمكن للمدارس السرية والتعليم المنزلي المحلي والتعلم عن بعد أن تساعد في هذا. في عام 2023، وصلت استثمارات منظمة Education Cannot Wait في أفغانستان إلى ما يقرب من 200 ألف فتاة وفتى من خلال برامج تعليمية مجتمعية.

ولكن على الرغم من الطلب الهائل من جانب الفتيات، فإن شركائنا على الأرض يكافحون ضد المقاومة الدينية، وخاصة في معاقل طالبان مثل هلمند وقندهار. ولابد من إبلاغ هذه السلطات بأن أفغانستان لن تتلقى التمويل اللازم للتعليم حتى يتم استعادة حق الفتيات في التعليم بشكل كامل.

وفي الوقت نفسه، يمكننا أن نبذل المزيد من الجهود للوصول إلى الفتيات الأفغانيات من خلال توسيع نطاق الدورات التدريبية عبر الإنترنت والإذاعية المتاحة من بقية العالم. وهذا يعني تجنيد المزيد من الجامعات والمدارس لتقديم الدورات التدريبية عبر الإنترنت وإتاحة مناهجها الدراسية.

وهناك أيضاً سبل أخرى للضغط على قيادة طالبان. ونحن نعلم أن ليس كل أفراد طالبان يوافقون على التمييز الحالي ضد بناتهم وأخواتهم وزوجاتهم. ومن الممكن أن تعمل بلدان أخرى على زيادة الضغوط على النظام من خلال أطرها القانونية المحلية، مثل فرض عقوبات على قادة طالبان الأكثر مقاومة لحقوق الفتيات.

وتلعب البلدان ذات الأغلبية المسلمة دوراً مهماً بشكل خاص. فقد دفعت وزارة الخارجية القطرية ــ التي عملت لفترة طويلة كوسيط بين طالبان والغرب ــ إلى إنهاء الحظر؛ وانتقد السعوديون طالبان لفشلها في منح “النساء الأفغانيات حقوقهن المشروعة الكاملة، وأهمها الحق في التعليم، الذي يساهم في دعم الأمن والاستقرار والتنمية والازدهار في أفغانستان”؛ ونددت الإمارات العربية المتحدة بهذه السياسة باعتبارها انتهاكاً “لتعاليم الإسلام، ويجب إلغاؤها بسرعة”.

إن التعاليم الإسلامية تدعم بالفعل تعليم الفتيات ـ “اقرأ” هي الكلمة الأولى في القرآن ـ وبقية العالم الإسلامي يشجع على ذلك. يقول الترمذي في حديثه رقم 74: “طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة”، وهو أحد التعاليم الستة في الإسلام السني، والذي يؤكد على التزام الإيمان العميق بالتعلم ـ من قِبَل الرجال والنساء.

ولا ينبغي لنا أن نستبعد الفتيات الأفغانيات من هذا الالتزام. ويتعين عليهن، وكذلك المدافعون عن حقوق الفتيات في كل مكان، أن يدركن أن هذه معركة لا يزال من الممكن الفوز بها.

جوردون براون، رئيس وزراء المملكة المتحدة الأسبق، هو المبعوث الخاص للأمم المتحدة للتعليم العالمي ورئيس مؤسسة “التعليم لا يمكن أن ينتظر”.

تم نشر هذه المقالة لأول مرة على www.project-syndicate.org

هل لديك أسئلة أو تعليقات؟ راسلنا على البريد الإلكتروني: [email protected]

الآراء الواردة في هذه المقالة تظل آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة آراء العربي الجديد أو هيئته التحريرية أو العاملين فيه.



المصدر


مواضيع ذات صلة