Logo

Cover Image for تحت غطاء حرب غزة إسرائيل تستولي على الأراضي الفلسطينية

تحت غطاء حرب غزة إسرائيل تستولي على الأراضي الفلسطينية


في حين يظل الاهتمام العالمي منصبا على الصراع المستمر منذ ما يقرب من 11 شهرا في غزة، والذي أودى بحياة أكثر من 40 ألف فلسطيني، تواصل إسرائيل تعزيز مكاسبها السياسية والإقليمية في الضفة الغربية المحتلة.

في أعقاب الهجوم الذي قادته حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، استغل السياسيون الإسرائيليون الوضع لإعطاء الضوء الأخضر لأكبر عملية استيلاء على الأراضي في الضفة الغربية المحتلة منذ ثلاثة عقود، والتي تمتد على مساحة تبلغ نحو 1270 هكتاراً في وادي الأردن.

وأفاد مراقبو المستوطنات بأن الاستيلاء على الأراضي يربط المستوطنات الإسرائيلية على طول ممر حيوي على الحدود مع الأردن، وهي الخطوة التي يحذرون من أنها تعرض قابلية الدولة الفلسطينية المستقبلية للخطر.

ووصف المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك هذا الإجراء بأنه “خطوة في الاتجاه الخاطئ”، مؤكدا أن “الاتجاه الذي نريد أن نسير فيه هو نحو حل الدولتين عن طريق التفاوض”.

ورغم حكم محكمة العدل الدولية الصادر في شهر يوليو/تموز الماضي والذي اعتبر وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني، فإن إسرائيل تواصل تنفيذ أجندتها التوسعية.

كشف وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، وهو مستوطن، مؤخرا عن خطط لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية بشكل أكبر، متعهدا بتعزيز قبضة إسرائيل على المنطقة و”منع إنشاء دولة فلسطينية”.

منذ يوم الأربعاء، قُتل 18 فلسطينياً على الأقل في شمال الضفة الغربية، عندما شنت إسرائيل أكبر توغل عسكري لها في الأراضي المحتلة منذ الانتفاضة الثانية.

ووصفت قوات الأمن الإسرائيلية العملية بأنها “عملية مكافحة الإرهاب لإحباط الإرهاب” في جنين وطولكرم.

وتستهدف العملية واسعة النطاق، حيث تستهدف قوات الاحتلال عدة مدن فلسطينية في وقت واحد، بما في ذلك جنين، وطولكرم، ونابلس، وطوباس.

وقال محللون لـ”العربي الجديد” إن هذه العملية الجديدة، إضافة إلى مشروع الاستيطان الإسرائيلي التوسعي، تجري تحت “غطاء مثالي” هو الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة.

وتستغل إسرائيل هذه الفرصة لتعزيز أجندتها الاستيطانية القائمة منذ فترة طويلة، بهدف السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي، وتشريد السكان الفلسطينيين، وتقويض قدرة السلطة الفلسطينية على تحقيق أي مكاسب سياسية.

إسرائيل تقترب خطوة من ضم الضفة الغربية رسميا

مع توجه كل الأنظار نحو غزة، يخوض المستوطنون الإسرائيليون حربهم الخاصة في الضفة الغربية

بن غفير يلعب لعبة خطيرة بالوضع الراهن في الأقصى

تفتيت الضفة الغربية

وقال الخبير في الشؤون الفلسطينية أحمد أبو الهيجا في حديث لـ«العربي الجديد»: «على مدى العقود القليلة الماضية، عمل الاحتلال الإسرائيلي بشكل مطرد على تعزيز ترسيخه الجغرافي في الضفة الغربية».

وأشار إلى أنه في حين بدأت هذه الجهود التوسعية قبل وقت طويل من حرب غزة، فإن “الصراع وفر لإسرائيل مدخلاً استراتيجياً لتسريع هذه الخطط”، مما يعني عملياً “ضم الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية”.

وفي مارس/آذار، أفادت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية بأن ما لا يقل عن 40 تجمعًا بدويًا في مختلف أنحاء الضفة الغربية المحتلة طُردت قسرًا بسبب تصاعد الهجمات والجرائم التي يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون. ويزعم أبو الهيجا أن إسرائيل تستخدم المستوطنين كأداة لتنفيذ خططها في الضفة الغربية.

وأضاف لـ”العربي الجديد” أن “المستوطنين هم الأداة التي يتم من خلالها تنفيذ قرارات الحكومة الإسرائيلية، ومنسق الإدارة المدنية، والذي يعتبر بمثابة رئيس وزراء الضفة الغربية، هو الحاكم الفعلي هنا”.

ويضيف أن المستوطنين الإسرائيليين استخدموا الحرب كذريعة لتهجير التجمعات البدوية الأصلية في منطقة المعريجات ​​شرق رام الله وغور الأردن، وسيطروا على مئات الآلاف من الدونمات.

إسرائيل تستغل حرب غزة لتسريع ضم الضفة الغربية المحتلة. (جيتي)

وأضاف أن “الاحتلال حوّل الضفة الغربية إلى منطقة غير صالحة للسكن ومعادية للفلسطينيين”.

وكان هذا هو المكسب الأول المهم الذي حققته إسرائيل على الأرض. أما المكسب الثاني، كما يقول، فهو تآكل الوجود السياسي الفلسطيني في الضفة الغربية.

وأضاف أبو الهيجاء أن “الحكومة الإسرائيلية جردت السلطة الفلسطينية بشكل ممنهج من كل الصلاحيات التي كانت ممنوحة لها في الاتفاقيات السابقة، وحولتها إلى مجرد كيان إداري دون صلاحيات حقيقية”.

وأضاف أنه باستثناء أجزاء من جنين في شمال الضفة الغربية، فإن “90% من أراضي الضفة الغربية لم تعد متصلة جغرافيا”.

وأضاف “لم يعد هناك أي تواصل بين المدن والقرى المحيطة بها، وهذا أصبح واقعاً صارخاً يتعين على الفلسطينيين التعامل معه”، مضيفاً “تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الكاملة من خلال المستوطنات والطرق الالتفافية والبؤر الاستيطانية والمناطق العازلة والقواعد العسكرية”.

لماذا تعتبر الضفة الغربية مهمة؟

ويقول مدير مركز يبوس للدراسات سليمان بشارات لـ«العربي الجديد» إن اهتمام إسرائيل بالضفة الغربية ينبع من «أهميتها الجغرافية للدولة اليهودية المستقبلية».

“إن الضفة الغربية تشكل امتداداً إقليمياً استراتيجياً للمشروع الاستيطاني”، كما يقول سموتريتش، وهو جوهر خطة سموتريتش لتهجير الفلسطينيين إلى ما وراء نهر الأردن.

ويشير أيضاً إلى أن إسرائيل تنظر إلى الضفة الغربية، وخاصة وادي الأردن، باعتبارها منطقة عازلة أمنية للدولة اليهودية. وتحقيقاً لهذه الغاية، “كثفت إسرائيل وجودها العسكري من خلال تحديد مساحات شاسعة من الأراضي كمناطق عسكرية يُحظر على الفلسطينيين دخولها”.

لقد استخدمت إسرائيل منذ فترة طويلة استراتيجيات توسعية مختلفة، والتي تم تعزيزها منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول فقط، وفقًا لبشارات، والتي تشمل البناء السريع والمكثف للمستوطنات والضغط على الفلسطينيين من خلال مصادرة الأراضي وهدم المنازل ورفض تصاريح البناء في المناطق (ب) و(ج)، مما أجبر الفلسطينيين فعليًا على العيش في مدن مكتظة أو “دفعهم إلى الهجرة”.

وأضاف بشارات أن الجانب الثالث للسياسة الإسرائيلية يتمثل في اتباع نهج ممنهج في الاعتقالات والمضايقات تحت غطاء الضربات الاستباقية لمنع تشكيل أي حركات مقاومة.

“الهدف هو الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأراضي، وبناء وتوسيع المستوطنات، وإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية، وتحقيق الهدف السياسي للحكومة الإسرائيلية المتمثل في منع إقامة دولة فلسطينية”

وأضاف أن “إسرائيل تستخدم سياسة القتل المستهدف، مبررة ذلك بالدفاع عن النفس أو الاشتباه في شن هجمات، لفرض الردع من خلال القوة وإنشاء حاجز نفسي يعمل على إدامة الخوف في الضفة الغربية”.

وتجبر هذه الاستراتيجيات، إلى جانب تدمير البنية الأساسية مثل شبكات المياه وأنظمة الصرف الصحي والطرق وخطوط الاتصالات، الفلسطينيين على التركيز على البقاء وإعادة البناء بهدوء بدلاً من متابعة الأهداف السياسية، مما يؤدي فعليًا إلى “إضعاف أسس أي دولة فلسطينية مستقبلية محتملة”، وفقًا للمحلل.

ويضيف أن “هذه السياسات تعمل أيضاً على إضعاف كل قواعد الدعم الفلسطينية في الضفة الغربية، مما يضعف بشكل كبير أي حركات وطنية تدعو إلى التغيير”.

حقيقة قاسية

ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية الفلسطينية محمد أبو علان أن ما يحدث في الضفة الغربية هو في الأساس سياسة إسرائيلية تقوم على “التطهير العرقي والسيطرة على الأراضي”.

وأضاف في مقابلة مع صحيفة العربي الجديد أن “الهدف هو الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأراضي، وبناء وتوسيع المستوطنات، وشرعنة البؤر الاستيطانية، وتحقيق الهدف السياسي للحكومة الإسرائيلية بفرض عقبات على الأرض تمنع إقامة الدولة الفلسطينية في أي حل سياسي مستقبلي”.

وأضاف أنه منذ تشكيل الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل قبل الحرب على غزة، التزمت إسرائيل بهذه السياسات.

وأشار إلى إعلان سموتريتش عن إقامة مستوطنة جديدة في منطقة بيت لحم، والتي ستكون بمثابة جسر بين مستوطنات بيت لحم والقدس، وهو ما من شأنه أن “يفرض عقبات جديدة على الأرض” و”يمنع أي تواصل جغرافي فلسطيني”.

وأشار أبو علان إلى أنه “في السابق كانت هناك إعلانات عن توسيع المستوطنات القائمة أو شرعنة البؤر الاستيطانية، واليوم يتم إنشاء مستوطنات جديدة، وهذا يمثل تصعيدا في عملية الضم”.

وأكد أن إسرائيل تستغل الحرب على غزة اليوم لتنفيذ سلسلة من العمليات العسكرية في الضفة الغربية تهدف إلى سحق أي جيوب للمقاومة، وتسهيل تنفيذ مخططاتها السياسية، خاصة في المناطق المصنفة “ج” حسب اتفاق أوسلو.

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وجدت إسرائيل نفسها تحت رحمة دعم غير مسبوق وتفويض غربي شجع مشاريعها الاستيطانية وشدد قبضتها الأمنية على الضفة الغربية.

وأضاف أبو علان “من هذا المنظور، يمكن القول إن مستقبل الصراع في الضفة الغربية لا يرتبط بشكل مباشر بالحرب في غزة، بل إن الحرب تشكل غطاء لتسريع الإجراءات وترسيخ واقع قد يشكل المرحلة المقبلة من المواجهة”.

تم نشر هذه المقالة بالتعاون مع إيجاب.



المصدر


مواضيع ذات صلة